تناولت العديد من وسائل الإعلام خبراً مفاده أن “المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم” قد أصدرت تقريراً يؤكد شفافية الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة. إلا أن تدقيقاً عميقاً أجراه فريق منصة فالصو كشف عن العديد من التناقضات والشكوك حول هذا الخبر :
تناقل عدد من وسائل الإعلام منذ الأربعاء 9 أكتوبر 2024, خبراً يدعي أن مؤسسة تدعى المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم، أقرت بشفافية الانتخابات الرئاسية بتونس. ويذكر الخبر الذي نقلته وسائل إعلام بنفس الصياغة، أن “الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات والمنازعات الانتخابية بالمحكمة الدولية الدائمة للتحكيم في تقريرها النهائي على سلامة وشفافية الانتخابات الرئاسية التي أجريت بتونس يوم الأحد 6 أكتوبر 2024 “. هذا وقد ذكرت وسائل الإعلام أن البشير سعيد الرئيس الأول لهذه المحكمة أكد أن “مراقبة العملية الانتخابية في دورها الأول تمت وفق المعايير الدولية والشفافية المستوجبة ولم تلاحظ هيئة مراقبة الانتخابات المنبثقة عن المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم، ما من شأنه أن يدعو للاحتراز أو التثريب ملاحظة أن الناخبون قد مارسوا واجبهم الانتخابي دون إكراه أو تأثير”، وفق بلاغ اصدرته المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم.

فريق منصة فالصو قام بالتدقيق والبحث المعمق لنصل لما يلي:
لم نجد أثراً لنص البلاغ الذي أصدرته المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم، الذي ذكرته وسائل الإعلام
لم نجد أيضاً أثراً للتقرير النهائي المذكور حول سلامة وشفافية الانتخابات الرئاسية
واصلنا البحث بهدف الوصول لأي معلومات تمكننا من الاتصال بهذه المحكمة، لنجد صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك وبها عنوان لموقع إلكتروني. تأكدنا أنها الصفحة الرسمية من خلال المنشورات الاخيرة التي نشرتها الصفحة وهي المقالات التي تحدثت عن البلاغ حول شفافية الانتخابات الرئاسية. الغريب في الأمر أن الصفحة لم تنشر البلاغ نفسه، كما لم نجد أثراً لتقرير الذي اعتمدته المحكمة لإصدار بلاغها. كما أنها صفحة غير موثقة، يتابعها ما يقارب 3 آلاف و700 متابع فقط رغم أنها تاريخ انشائها يعود لسنة 2019, وتنقصها العديد من المعلومات المهمة كتلك التي نجدها في صفحات موثقة لمؤسسات دولية.

كما أن الموقع الإلكتروني للمحكمة الدولية الدائمة للتحكيم لا يعمل. راسلنا الصفحة للحصول على نص البلاغ وتقرير المحكمة النهائي على سلامة وشفافية الانتخابات الرئاسية ولم نتحصل على أي إجابة إلى حد كتابة هذا المقال. (سننشر التقرير في حال حصولنا على نسخة منه).

أثار استغرابنا في منصة فالصو أن مؤسسة تحميل إسماً بهذه الأهمية، لا تملك موقعاً إلكترونياً وتعتمد صفحة غير موثوقة، لذلك قمنا بالبحث في طبيعة هذه المؤسسة ليتضح أنها لا تعدو كونها شركة ذات مسؤولية محدودة مقرها بلفيدير تونس, يرتكز عملها على تقديم خدمات لفض النزاعات لطالبيه عبر الية التحكيم. المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم TIP Arbitrage شركة مسجلة في السجل الوطني للمؤسسات تحت رقم 16266667z مقرها الرئيسى 20 شارع العربي الكبادي كما أنها مسجلة بالرائد الرسمي التونسي بتاريخ 5 نوفمبر 2019 تحت عدد 2019T01442SRLB2. يرأسها منذ 2019 السيد بشير سعيد. عدى عن كونه رئيسا للمحكمة، بشير سعيد هو أيضاً رئيس المجلس العلمي للشركة ورئيس هيئة التحكيم بها والناطق الرسمي باسمها.

هل المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم هي فعلاً شركة دولية ؟
رغم ندرة المعلومات المنشورة حول هذه الشركة، وجدنا حواراً إذاعياً بتاريخ 2 جوان 2021 لرئيس المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم بشير سعيد يدعي فيه أن للمحكمة فروع ومكاتب في تونس وليبيا والدوحة وتركيا والسنغال. كما يدعي أن للشركة فرعاً بسويسرا يرأسه شخص يدعى أنيس سالم بالريش.
قمنا بالبحث في سجلات الشركات المسجلة في سويسرا تحت إسم Tribunal international permanent d’arbitrage ولم نجد لها أثراً قانونياً، أي أنه لا وجود لها بسويسرا. قمنا أيضاً بالبحث العكسي عبر إسم رئيسها أنيس سالم بالريش، لنجد أنه يترأس شركة Swiss Goal Management GmbH ولا أثر لشركة التحكيم المذكورة، في السجلات الرسمية.
من الجدير أيضاً بالذكر أن هذه الشركة قامت في 4 أكتوبر 2023 بتنقيح الفصل الثاني من نظامها الأساسي بإضافة فقرة رابعة تضمنت إنشاء درع العدالة “يمنح تكريماً للشخصيات العامة الرفيعة، ولا سيما الملوك أو الرؤساء أو الأمراء أو رؤساء الحكومات..” واعضاء المحكمة نفسها، كما تضمن التعديل قرار منح هذا الدرع لقيس سعيد.


أثناء البحث، لاحظنا وجود مؤسسة تتشابه في الإسم مع الشركة التونسية، لمحكمة التحكيم الدائمة PCA ومقرها قصر السلام في لاهاي، لها فروع في عدة دول، تونس ليست منها. كما أن هناك فرق طفيف في الإسم، كما أن المحكمة الدائمة للتحكيم PCA تأسست عام 1899 بهدف تيسير اللجوء إلى التحكيم وتسوية المنازعات بين الدول

غياب الدليل المادي: لم يعثر فريق التحقيق على أي دليل ملموس على وجود هذا التقرير المزعوم. فلم يتم العثور عليه على الموقع الرسمي للمحكمة أو على أي منصة تواصل اجتماعي مرتبطة بها. هذا الغياب الفاضح لأي أثر لهذا التقرير يثير تساؤلات جدية حول مدى مصداقيته.
هوية غامضة للمحكمة: تبين أن هذه “المحكمة الدولية” ليست سوى شركة ذات مسؤولية محدودة مسجلة في تونس. هذا الكشف يضع علامات استفهام كبيرة حول أهلية هذه الشركة لإصدار أحكام وتقارير حول شفافية الانتخابات، خاصة وأنها لا تمتلك أي صفة قانونية دولية.
صراع المصالح المحتمل: يثير قيام رئيس الشركة نفسه بإعلان نتائج هذا التقرير شكوكاً حول وجود صراع مصالح محتمل. فهل يمكن الوثوق بتقرير أصدره شخص له مصلحة مباشرة في النتيجة؟
الادعاءات المبالغ فيها: زعم رئيس الشركة أن للمحكمة فروع في العديد من الدول، إلا أن التحقق من هذه الادعاءات لم يؤكد صحتها. هذا التضليل المتعمد يزيد من الشكوك حول نوايا هذه الشركة.
الخلفيات القانونية: لا يوجد أي سجل قانوني لهذه “المحكمة” في أي من الدول التي ادعت وجود فروع فيها. هذا الغياب التام للتسجيل القانوني يضعف من مصداقية ادعاءاتها بأنها مؤسسة دولية.
لا تعليق