رسالة المنظمات إلى الاتحاد الأوروبي: مساءلة أم استقواء بالخارج؟


أثارت تقارير صحفية ومنشورات إعلامية، خلال الأيام القليلة الماضية، جدلاً واسعًا حول رسالة وُجّهت إلى الاتحاد الأوروبي بشأن الأوضاع الحقوقية والسياسية في تونس. الرسالة، التي لم تُنشر رسميًا، تناقلتها بعض وسائل الإعلام كجزء من الجدل المتواصل حول العلاقة بين تونس وشركائها الأوروبيين، في سياق تزايد الانتقادات الحقوقية لسجل الحريات داخل البلاد. الرسالة موجّهة إلى الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، ووقّعها مكتب المحاماة الفرنسي Bourdon & Associés نيابةً عن منظمات حقوقية من بينها لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، والفدرالية التونسية للمواطنة عبر الضفتين، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، وEuroMed Rights.

سرعان ما تحوّل الحديث عن هذه الرسالة إلى محور خلاف حاد في الفضاء العام. فبينما رأى فيها البعض خطوة قانونية تستند إلى آليات دولية قائمة، وتهدف إلى تحميل الشركاء الأوروبيين مسؤولياتهم تجاه ما يحدث في تونس، اعتبرها آخرون دعوة صريحة إلى تدويل الأزمة، بل محاولة للمساس بالسيادة الوطنية أو لدفع الاتحاد الأوروبي نحو فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على البلاد.

تعددت القراءات والتأويلات بشكل لافت: بين من وصفها بأنها “إدانة دولية للنظام”، إلى اتهام المنظمات الحقوقية بـ“الاستقواء بالخارج”، وصولاً إلى من رأى فيها “صفقة خفية” أو “محاولة لخنق الشعب التونسي عبر أدوات أجنبية”. غير أن عنصرًا جوهريًا غاب وسط هذا التراشق: الرسالة نفسها لم تكن متوفرة للرأي العام، ولم تُنشر على أي منصة رسمية أو مفتوحة. كل ما تم تداوله تمثّل في مقاطع مجتزأة، أو أخبار غير مكتملة، أو تحاليل تبني مواقفها على روايات غير موثقة أو منقوصة من سياقها. 

فهل دعت الرسالة فعلاً إلى فرض عقوبات اقتصادية على الدولة التونسية؟ هل طالبت المنظمات الموقعة بتجميد اتفاقيات الشراكة أو قطع التمويل الأوروبي عن تونس؟ وهل تضمنت دعوة لعزل تونس دبلوماسيًا أو تحريضًا مباشرًا على مؤسساتها؟

تحصلنا في منصة فالصو على نسخة أصلية من الوثيقة، كما تلقينا الشرح القانوني والسياسي المرافق لها من الجهات التي تقف وراءها، وقمنا بالتدقيق مراجعة ما تم تداوله مقارنة بالمحتوى الأصلي للرسالة واتضح ما يلي:  


هل دعت الرسالة إلى فرض عقوبات اقتصادية على الدولة التونسية أو إلى تعليق التمويل الأوروبي عنها؟

يعدّ هذا الادعاء من أكثر التأويلات تداولًا حول الرسالة، حيث تكرّر في منشورات وتصريحات إعلامية اعتبرت أن مضمون المراسلة يهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، سواء عبر فرض عقوبات اقتصادية جماعية أو دفع الاتحاد الأوروبي إلى تعليق اتفاقيات الشراكة والتمويل مع تونس.

في منشور على فيسبوك، كتبت الصحفية بحياة الصباح، حياة السايب بن زيد، أن “أي كانت مؤاخذاتك على بلادك، فإن ذلك لا يخولك أن تطلب معاقبتها من هياكل أجنبية”، معتبرة الرسالة “دعوة للتدخل الأجنبي في شؤون البلاد”.

وفي منشور مشابه، اعتبرت النائبة في البرلمان الحالي، فاطمة المسدي، أن الرسالة “إهانة لسيادة تونس، وتستسهل فرض عقوبات على الدول”. أما الناشط أحمد الحسّين، فقد سأل باستهجان: “تدعون لعقوبات اقتصادية على تونس ثم تدّعون أنكم تدافعون عن الحقوق!؟”. في المقابل، قال باسل ترجمان: “لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، وفيدرالية التونسيين من أجل المواطنة بين الضفتين، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، ومنظمة يورميد رايتس يطالبون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تونس”.

ردًا على الدعوة المشبوهة لفرض عقوبات أوروبية على الدولة التونسية ورموزها السيادية تبعًا لما تم تداوله في تقرير صادر عن…

Posted by Fatma Mseddi on Friday, June 27, 2025

لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس وفيدرالية التونسيين من أجل المواطنة بين الضفتين والمركز اللبناني لحقوق الإنسان…

Posted by Bassel Torjeman on Friday, June 27, 2025

اي كانت مؤاخذاتك على بلادك، فإن ذلك لا يخول لك ان تطلب معاقبتها من هياكل اجنبية. دعوة منظمات حقوقية تونسية الاتحاد…

Posted by Hayet Essayeb Ben Ezdine on Saturday, June 28, 2025

اطّلعنا في فالصو على النسخة الكاملة من الوثيقة، وراجعنا مضمونها بالتفصيل، وبعد فحص محتواها، لم نجد أي دعوة إلى عقوبات اقتصادية عامة أو جماعية على الدولة التونسية، ولا إلى تعليق اتفاقيات الشراكة مع تونس:

في الصفحة 3 من الوثيقة، تطلب المنظمات بوضوح من الاتحاد الأوروبي تفعيل نظام العقوبات الأوروبي الخاص بحقوق الإنسان، المعروف باسم اللائحة 2020/1998. هذا النظام، الذي أُقرّ سنة 2020، يوفّر إطارًا قانونيًا يسمح للاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات فردية (وليست جماعية) على أشخاص أو كيانات يُشتبه في ضلوعهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مثل التعذيب، الاعتقال التعسفي، أو الإخفاء القسري، سواء داخل الاتحاد أو خارجه.

تنص اللائحة في موادها الأساسية (وخاصة المادة 2 والمادة 3) على نوعين من التدابير:

تجميد الأصول التابعة للأشخاص المستهدفين داخل الاتحاد الأوروبي.

حظر الدخول إلى أراضي دول الاتحاد.

كما تحظر على أي جهة أوروبية تقديم موارد مالية أو دعم اقتصادي لهؤلاء الأفراد أو الكيانات بشكل مباشر أو غير مباشر.

الرسالة تستند إلى هذا الإطار القانوني (اللائحة 2020/1998)، وتطالب بشكل صريح بفرض عقوبات فردية على أشخاص وكيانات تعتبرها مسؤولة عن انتهاكات جسيمة. وهو ما تُدرجه الرسالة  من أسماء لمسؤولين بارزين، من بينهم: رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وزيرة العدل ليلى جفال، وزير الداخلية السابق كمال الفقي، بالإضافة إلى أفراد من الجيش، كبار المسؤولين الأمنيين، عناصر من الشرطة، حراس ومديري سجون، وقضاة وأعضاء في البرلمان.

وتتوسّع الرسالة لتطالب أيضًا بـ:

  • حظر توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية لهؤلاء الأشخاص.
  • منع تصدير أو تزويد تونس بمعدات قد تُستخدم في القمع الداخلي، إلى جانب حظر تقديم أي مساعدة تقنية أو مالية ذات صلة.
  • تعليق بث وسائل الإعلام التي تعتبرها الرسالة مسؤولة عن الدعاية والتضليل في الاتحاد الأوروبي.
  • وأخيرًا، تعليق التمويل الأوروبي المخصص لمساعدة تونس على التعامل مع ملف الهجرة، وليس كل التمويل الموجه إلى البلاد.

في الصفحة 8، تشير المنظمات إلى ضرورة ضمان أن التمويلات الأوروبية لا تُستخدم في تنفيذ سياسات أو ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، وخاصة فيما يخص التعاون الأمني والقضائي والهجرة، مؤكدة أن التمويل يجب أن يُصرف فقط في برامج تحترم الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية. ومع ذلك، لا تحتوي هذه المنظمات على أي دعوة لتجميد اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي، ولا إلى إلغاء برامج التنمية أو التعاون الاقتصادي أو الاجتماعي. كما أن ما ورد في مواقف هذه المنظمات لا يمثل بأي شكل من الأشكال دعوة لعقوبات جماعية أو اقتصادية على الدولة التونسية أو على الشعب، بل يندرج ضمن أدوات قانونية متاحة في إطار التزامات الشراكة.

لماذا طُلب تعليق تمويل اتفاق الهجرة مع تونس؟

من بين النقاط التي تضمّنتها الرسالة، كانت هناك دعوة صريحة إلى تعليق التمويل الأوروبي المرتبط بمذكرة التفاهم حول الهجرة الموقعة في 16 جويلية 2023 بين الاتحاد الأوروبي وتونس. الرسالة لم تطالب بقطع شامل للتمويل، بل خصّت هذا النوع من الدعم الذي أثار انتقادات واسعة، محليًا ودوليًا، بسبب تداعياته على حقوق الإنسان.

هذه الدعوة تستند إلى سلسلة من التقارير الموثّقة التي كشفت عن انتهاكات جسيمة ارتُكبت في سياق تنفيذ هذه الاتفاقية:

ترحيل قسري وتجميع المهاجرين في ظروف لا إنسانية تقارير لمنظمات مثل Amnesty International وThe Guardian وثّقت حالات طرد جماعي لمهاجرين نحو الحدود الليبية والجزائرية، دون مأوى أو طعام، وأحيانًا وسط الصحراء، وهو ما يُعد انتهاكًا لمبدأ “عدم الإعادة القسرية” المنصوص عليه في القانون الدولي.

عنف موثّق وممارسات مهينة نقلت منظمات دولية وشهادات ميدانية عن اعتقالات تعسفية، حالات تعذيب، واعتداءات جنسية طالت مهاجرين من دول جنوب الصحراء، في سياق سياسات “مكافحة الهجرة غير النظامية” التي تموَّل أمنيًا من الاتحاد الأوروبي.

غياب الشفافية والتقييم الحقوقي في نوفمبر 2023، وجّهت المؤسسة الأوروبية للوسيط (EU Ombudsman) نقدًا لاذعًا إلى المفوضية الأوروبية، بسبب عدم إجراء تقييم تأثيرات حقوق الإنسان قبل توقيع الاتفاق، معتبرة ذلك “تقصيرًا مؤسسيًا خطيرًا”.

تحوّل تونس إلى منطقة عازلة لأوروبا يرى خبراء ومنظمات وطنية، من بينها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES)، أن مذكرة التفاهم حول الهجرة تختزل تونس في دور “حارسة حدود” لأوروبا، دون ضمان احترام حقوق طالبي اللجوء أو المهاجرين. في هذا السياق، لا تُعدّ الدعوة لتعليق التمويل إجراءً عقابياً أو اقتصاديًا عامًا، بل مطالبة مشروعة بمراجعة دعم مالي مشروط، لضمان ألا يُستخدم في ممارسات تنتهك الكرامة الإنسانية. وتنسجم هذه المطالبة مع المادة 2 من اتفاقية الشراكة الأوروبية–التونسية، التي تنص على أن احترام حقوق الإنسان والديمقراطية هو شرط جوهري لاستمرار التعاون بين الطرفين.

الرسالة الحقوقية إلى الاتحاد الأوروبي: تذكير قانوني أم سقطة أخلاقية؟

من بين التفاعلات التي رافقت الجدل حول الرسالة، ظهرت مواقف انتقدت بشدة الدعوة إلى فرض عقوبات على مسؤولين تونسيين، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل سقطة أخلاقية. وأشار هؤلاء إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يفرض عقوبات مماثلة على إسرائيل، رغم الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب بحق المدنيين في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة الذي يشهد حصارًا ونزاعات متواصلة تسبب معاناة إنسانية كبيرة. ويرون في ذلك تمييزًا واضحًا ومزدوج المعايير في تطبيق قيم حقوق الإنسان والعدالة الدولية، ما يثير تساؤلات حول نزاهة التحركات ومدى انسجامها مع مبادئ حقوق الإنسان التي تدعو إليها.

“وماذا عن إسرائيل؟”: المغالطة المنطقية

دعك من المُخوّنين والمطبّلين والمبرّراتيّة و من اختار معارضة المعارضة حصرا دون غيرها: سقطة أخلاقيّة كبيرة أن تتوجّه…

Posted by Bassam Bounenni on Friday, June 27, 2025

من أبرز الانتقادات التي وُجّهت للرسالة أنها جاءت في وقت لم يتخذ فيه الاتحاد الأوروبي مواقف صارمة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. في منشور له على صفحته في فيسبوك، وصف الصحفي بسام بونني توجيه عدد من المنظمات التونسية والدولية رسالة إلى الاتحاد الأوروبي بـ”السقطة الأخلاقية الكبيرة”، مستنكرًا أن تُطلب منه، “في هذا التوقيت بالذات”، فرض عقوبات على خلفية الوضع العام في تونس. استند بونني في منشوره إلى فشل الاتحاد الأوروبي، مطلع الأسبوع الفارط، في فرض عقوبات على إسرائيل، رغم تقرير داخلي أظهر 38 شكلاً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، معظمها يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذا النوع من الخطاب يعكس موقفًا أخلاقيًا مفهومًا في خلفيته، لكنه لا يدحض مضمون الرسالة ذاتها. 

ورغم أن هذه المقارنة مفهومة عاطفيًا، إلا أنها تنتمي إلى ما يُعرف في الفلسفة السياسية بـمغالطة “وماذا عن؟”(Whataboutism)، وهي محاولة للرد على نقد معين بالإشارة إلى انتهاك آخر لم يُدان بالقدر الكافي، فيتحوّل النقاش من جوهر المسألة إلى مقارنة أخلاقية غير منتجة.

دلًا من التركيز على المسألة الأساسية المطروحة، وهي الوضع الحقوقي في تونس، يُحوّل النقاش إلى موضوع آخر، وهو الموقف من إسرائيل، كما لو أن وجود قضية أكبر يبرر تجاهل القضايا الأخرى أو التقليل من أهميتها. في حين انه لا يوجد أي تعارض بين الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس والتضامن مع فلسطين. المعيار الحقوقي الحقيقي يقوم على مبدأ الشمولية والعدالة في التعامل مع جميع القضايا، دون انتقائية. لذلك، فإن المطالبة بالاحترام الكامل لاتفاقية قانونية بين طرفين لا تلغي، ولا تقلل من قيمة، أي موقف مبدئي تجاه قضايا عالمية أخرى. اذ ليس من العقلانية ولا من العدالة أن يُنظر إلى أي تحرك حقوقي داخلي على أنه خيانة لمبادئ التضامن مع قضايا أخرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. بل على العكس، الاتساق الأخلاقي الحقيقي يتطلب دعم جميع الضحايا، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو رمزية قضيتهم في الوعي الجمعي. اذن، عندما تطالب منظمات تونسية الاتحاد الأوروبي بتفعيل آلية قانونية لمحاسبة منتهكي الحقوق في تونس، يكون السؤال المنطقي:

هل الانتهاكات حقيقية؟

هل العقوبات المقترحة قانونية؟ وهل  تستهدف العقوبات المقترحة أفرادًا أم دولة بأكملها؟

أما الردّ بـ”لماذا لا يعاقب الاتحاد إسرائيل؟” فهو خروج عن موضوع الرسالة، لأنّه:

لا ينفي وجود انتهاكات في تونس.

لا يُغيّر من مسؤولية الاتحاد الأوروبي تجاه شراكاته الأخرى.

لا يثبت أن المطالبة بمحاسبة مسؤولين تونسيين غير مشروعة.

الرسالة: تذكير لا جديد فيه

أول ما يجب توضيحه هو أن الرسالة الموجّهة إلى الاتحاد الأوروبي، ليست وثيقة جديدة من حيث المضمون. بل هي تذكير رسمي بمطالب تم رفعها منذ شهر جوان من سنة 2024، مع إعادة التأكيد على نفس الإطار القانوني، ونفس البنود المنصوص عليها في اتفاقية الشراكة الأوروبية-التونسية. حتى أن بعض الأسماء الواردة فيها تعود لمسؤولين لم يعودوا يشغلون مناصبهم اليوم، ما يدل على أن الرسالة لم تأتِ كردّ فعل على ظرف سياسي أو دولي آني، بل هي امتداد لتحرّك حقوقي ومؤسسي مستمر. 

الرسالة تستند إلى المادة 2 من اتفاقية الشراكة الأوروبية-التونسية لسنة 1995، التي تنصّ صراحة على أن التعاون بين الطرفين “يُبنى على احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، المكرّسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان“، وأن هذا الاحترام يُعد “عنصرًا أساسيًا من عناصر الاتفاق”. أي أنّ المساءلة على هذا الأساس ليست اختراعًا خارج السياق، بل هي مطلب مشروع منصوص عليه في اتفاق قانوني وقّعت عليه الدولة التونسية طوعًا، وتقوم على أساسه عدة برامج تمويل ومشاريع تعاون وهجرة وتنمية مشروطة.

وفي هذا الإطار، تبرز إشكالية الإفلات من العقاب التي تتمتع بها مؤسسات الاتحاد الأوروبي، حيث تستمر انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بتمويله أو بدعمه، دون مساءلة فعلية أو إجراءات تصحيحية، خاصة فيما يتعلق بسياسات الهجرة التي أدت إلى انتهاكات جسيمة طالت لاجئين ومهاجرين من جنوب الصحراء في تونس، بالإضافة إلى تونسيين على الأراضي الإيطالية. هذا الواقع يعكس ازدواجية المعايير في تطبيق الاتحاد لمبادئ حقوق الإنسان التي يرفعها، ويُظهر الحاجة الماسة إلى استراتيجيات ضغط قانونية تضمن احترام هذه الالتزامات. وبناءً عليه، فإن الهدف من هذه الرسالة لا يقتصر على المطالبة فقط، بل يشمل أيضًا مساءلة الاتحاد الأوروبي عن مدى احترامه لشراكاته والتزاماته تجاه الشعب التونسي، خاصة في ما يتعلق بتمويل السياسات المرتبطة بالهجرة.

بين ازدواجية المعايير والمحاسبة المحلية : هل المنظمات الموقّعة صامتة إزاء فلسطين؟

من المهم أن تُدان ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما فعلته بالفعل منظمات حقوقية بارزة مثل EuroMed Rights وCRLDHT وFTCR، الموقعة على الرسالة، والتي أصدرت بيانات حادة وانتقدت الصمت الدولي تجاه الانتهاكات في فلسطين.

لكن هذا لا يعني، بأي حال، أن التونسيين ممنوعون من المطالبة بمحاسبة من ينتهك حقوقهم داخل بلادهم، ولا يبرر الصمت على القمع الداخلي بحجة الصمت الغربي تجاه قضايا أخرى.

على سبيل المثال، منظمة EuroMed Rights كانت من بين أكثر من 200 منظمة حقوقية أوروبية طالبت بشكل مباشر بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وذلك في خطاب مشترك وجّهه هؤلاء إلى المجلس الأوروبي قبل جمعية الشراكة الأوروبية–الإسرائيلية، وشارك في التوقيع كل من Human Rights Watch وFIDH وOxfam وغيرها، تحت عنوان “Suspend the EU‑Israel Association Agreement!”. كما تؤكد EuroMed Rights في منشورات رسمية على موقعها أنها توثق بانتظام الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات ضغط مثل تعليق التمويل أو الشراكة مع إسرائيل.

منظمة CRLDHT هي الأخرى لم تكن صامتة تجاه جرائم الاحتلال، بل شاركت في نشاطات ميدانية وتحركات دولية تضامنية مؤثرة مع فلسطين، وأصدرت عدة بيانات تضامن، مطالبة بفتح تحقيقات دولية في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين. على سبيل المثال، شاركت في رسالة مشتركة مع أكثر من 275 منظمة تطالب بالإفراج عن القيادية الفلسطينية خالدة جرّار، كما نظمت فعاليات تضامنية مباشرة، من بينها لقاء في باريس تحت شعار «غزة في قلوبنا، تونس في جراحنا» لمناقشة وضع الحريات في تونس والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

أما اتحاد FTCR، النشط في أوروبا، فقد شارك في عدة تحركات لدعم القضية الفلسطينية، خصوصًا في أوساط الجاليات المغاربية، منها لقاء تضامني في ديسمبر 2023 نظّمته “جمعية فرنسا فلسطين تضامن” (AFPS) في باريس، شاركت فيه نقابات ومنظمات أخرى مثل CGT وBDS France وSolidaires. كما ساهم في حملة لجمع تبرعات لدعم القطاع الصحي في غزة في جانفي 2024، بالتعاون مع منظمات أورومتوسطية أخرى.

بالتالي، فإن اتهام هذه الجهات بالتواطؤ أو الصمت الانتقائي لا يصمد أمام الوقائع والتوثيق العلني لمواقفها، ويبدو أقرب إلى رد فعل عاطفي لا يستند إلى معطيات موضوعية.

+100 human rights, humanitarian organizations and trade unions urge the EU to ensure that the ongoing review of Israel’s…Posted by EuroMed Rights on Thursday, June 19, 2025

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *