قضية التآمر: حين تتآمر أجهزة الدولة على الحقيقة – الجزء الثاني


في هذا الجزء الثاني من تقريرنا حول قضية التآمر، نواصل كشف الحقائق وتفاصيل الاتهامات الموجهة ضد أربعة متهمين لا يزالون يقبعون في السجن بتهم واهية. هذه الشخصيات هي غازي الشواشي، رضا بالحاج، عبد الحميد الجلاصي، وحطاب سلامة. سنستعرض في هذا الجزء الأفعال المنسوبة لكل من هؤلاء المتهمين، ونقوم بتحليل الأدلة المتاحة والتأكيدات التي بنيت عليها هذه الاتهامات.

المتهم غازي الشواشي، الأمين العام السابق لحزب “التيار الديمقراطي” والناشط السياسي والمحامي، الذي تم اعتقاله في ليلة 24 فيفري 2023 بعد مداهمة منزله. وتلى ذلك إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي. من خلال مراجعة وثائق القضية، بما في ذلك قرار ختم البحث ومحاضر السماع والاختبارات الفنية، يتضح أن الاتهامات الموجهة إلى الشواشي تستند إلى مزاعم غير دقيقة وتفتقر إلى الأدلة القاطعة.

تلي ذلك قضية الناشط السياسي والمحامي رضا بالحاج، الذي وُجهت له تهم مماثلة بناءً على اجتماعات وتحركات مالية غير مثبتة. كما سنتناول قضية عبد الحميد الجلاصي، القيادي السابق بحركة النهضة، المتهم بتكوين تنظيم إرهابي بناءً على تصريحات وتحركات تبدو بعيدة عن الاتهامات الموجهة إليه. وأخيرًا، سنلقي الضوء على قضية حطاب سلامة، المواطن العادي الذي وجد نفسه متورطًا في هذه القضية بسبب وجود سيارته في مكان غير مناسب في وقت غير مناسب.

هذه الاتهامات، رغم خطورتها، تفتقر إلى الأدلة المادية والشهادات المؤكدة، مما يثير تساؤلات جدية حول نزاهة التحقيقات ودقة الإجراءات القانونية المتبعة. من خلال هذا التقرير، نهدف إلى تقديم صورة واضحة وعادلة للوضع الراهن، وكشف التناقضات والمغالطات التي تشوب قضية التآمر، وذلك للدفاع عن حقوق هؤلاء المتهمين وإظهار الحقيقة أمام الرأي العام

الافعال المنسوبة لغازي الشواشي – متهم #6

الأمين العام السابق لحزب “التيار الديمقراطي” والناشط السياسي والمحامي “غازي الشواشي” وقع إيقافه في ساعة متأخرة من ليلة 24 فيفري 2023 بعد مداهمة منزله وتفتيشه من طرف 20 أمنيا، ليتم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه السبت 25 فيفري من طرف حاكم التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب واتهامه بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي. فريق منصة فالصو قام بمراجعة قرار ختم البحث، ومحاضر سماع المتهم، والاختبارات الفنية التي أُجريت على الأجهزة المحجوزة، وتقرير لجنة التحاليل المالية، بالإضافة إلى شهادات المخبرين XX وXXX. وقد تبين أن ما نُسب له في قرار ختم البحث، المعروف إعلامياً بقضية التآمر، يحتوي على العديد من المغالطات والمعطيات غير الدقيقة أو التي تم إخراجها من سياقها أو تفسيرها بشكل خاطئ.

يذكر قرار ختم البحث الذي وقع ختمه بتاريخ 12 أفريل 2024 ان “غازي الشواشي” اعترف جزئيا ما نسب إليه عندما أقر بأنه اجرى لقاء مع رئيسة القسم السياسي لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بتونس Heather Kalmbach مثلما يلتقيها أي طرف سياسي بتونس، وحقق لقائه بالناشط السياسي محمد خيام التركي وتواصله معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

الشواشي وجهت له تهم تتعلق بتكوين تنظيم إرهابي، والقيام بأعمال تحضيرية لارتكاب جريمة قتل، واستخدام الأراضي الوطنية والأجنبية لتدريب أفراد لارتكاب جرائم إرهابية، وإلحاق الضرر بالأمن الغذائي والبيئي، والتحريض على العنف وتوفير الأسلحة والمتفجرات، وغسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية. وتستند التهم إلى عدة فصول من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والمعدل بالقانون الأساسي عدد 9 لسنة 2019 وغيرها من التهم، اي انه وفقًا لقرار ختم البحث، يُفترض أن الشواشي اعترف جزئيًا بما نُسب إليه. لكن من الواضح أن هذا يعتبر مغالطة وتضليل لأسباب عدة: 

التهم الموجهة إلى غازي الشواشي لا تتناسب مع الأفعال المنسوبة إليه، إذ أن لقائه برئيسة القسم السياسي لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية وتواصله مع خيام التركي لا يمكن أن يشكل ضده أي من أركان الجرائم السابق ذكرها. 

كما أنها أفعال لا نص قانوني يجرمها، وإن كانت تلك اللقاءات مشبوهة أو ثبت أن الهدف منها التآمر على امن الدولة الداخلي والخارجي، فإن السيد قاضي التحقيق لم يقدم اي اثبات على ذلك، بل وتجاهل مطالب هيئة الدفاع لسماع السيدة Heather Kalmbach لمعرفة فحوى اللقاءات، كما أن اللقاء كان بطلب منها، فالقاعدة القانونية تقول إن الاتهامات تُبنى على الأدلة القاطعة واليقين وليس على الشك والتخمين. 

الشواشي عند سماعه لدى قاضي التحقيق “سمير الزوابي” بتاريخ 25 فيفري 2023 اكد انه لم يجمعه بالسيدة Heather Kalmbach أي لقاء خلال سنة 2023. كما أن اللقاء في إطار نشاطه كأمين عام لحزب سياسي يجتمع بالعديد من الأطراف الدولية و الوطنية.

المحامي “غازي الشواشي” كان قد اتصل بوزير الخارجية حينها عثمان الجرندي و استفسر إن كان هناك مانع من تواصل الأحزاب السياسية مع الأطراف الدولية، فأجابه أنه ليس هناك أي مانع. 

السيد قاضي التحقيق اغفل كل هذه التفاصيل وتعمد عدم ذكرها في قرار ختم البحث، بل انه ذهب الى تأويل وتفسير بعض التصريحات التي ادلى بها “الشواشي” لتتناسب مع ما يزعم أنه تآمر على الدولة. حيث اعتبر أن قيام “الشواشي” بحجب بعض شرائح النداء وأجهزة الهواتف الجوالة المسجلة باسمه دليلا على تورطه، دون تقديم أي تحليل دقيق لمعرفة ما إذا كانت هذه الأفعال ترتبط بالفعل بنشاطات غير قانونية أو أنها مجرد إجراءات أمنية شخصية لا علاقة لها بقضية الحال. جملة التهم التي نسبت للناشط السياسي والمحامي غازي الشواشي تعلقت بجريمة تكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية التبرع بأموال أو جمعها أو تقديمها أو توفيرها مع العلم بأن الغرض منها تمويل أشخاص أو تنظيمات أو أنشطة لها علاقة بالجرائم الإرهابية وجريمة محاولة ارتكاب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح و إثارة الهرج والقتل والصلب بالتراب التونسي المرتبطة بجرائم إرهابية بعد اعتبار جريمة ارتكاب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وغيرها من وابل التهم الخطيرة. تهم غير متناسبة مع محتوى قرار ختم البحث ولا حتى مع ما نسب للمتهمين من أفعال، هي في الاصل افعال لا يجرمها اي نص قانوني. 

السيد قاضي التحقيق سمير الزوابي لم يكلف نفسه جهدا كبيرا في تأليف قرار ختم البحث، حيث لاحظنا إعادته لنفس التهم لاغلب المتهمين ال 41 في قضية الحال. كما هو الحال في ما ادعاه بخصوص تعزز الاتهام  بتقرير اللجنة التونسية للتحاليل المالية الذي “أكد أن غازي الشواشي يملك عدة حسابات بنكية أجرى خلالها عدة عمليات و تحويلات مالية مكثفة و غير مبررة و مشبوهة” على حد تعبيره. 

بتحصلنا على نسخة من تقرير اللجنة التونسية  للتحاليل المالية بخصوص السيد غازي الشواشي، وبمراجعة محضر سماعه لدى نفس قاضي التحقيق، اتضح مرة اخرى انها تهمة جاهزة لإلقائها على المتهمين في القضية. حيث ان ما ورد في قرار ختم البحث مضلل ولا يطابق ما جاء في ملف القضية. حيث انه من الجانب القانوني، يجب على القاضي استجواب المتهم حول الأموال ومصادرها وتقديم الأدلة المتعلقة بها، وهو ما لم يتم في هذه القضية، مما يعد قصورًا في التحقيق وتضليلًا للعدالة. بدون الاستجواب المباشر وتوضيح مصادر الأموال، لا يمكن اعتبار التحويلات مشبوهة. توجب على قاضي التحقيق توجيه أسئلة محددة للمتهم وطلب الوثائق الداعمة، مثل عقود البيع أو سجلات الأعمال بدلا من نسب الأفعال دون سند. علاوة على ذلك، تقرير لجنة التحاليل المالية لم يشر إلى أي تحويلات غير مبررة أو مشبوهة، بل يوضح أن العمليات المالية في الحسابات البنكية لا دليل قاطع يؤكد صلتها بقضية الحال. 

عزز السيد قاضي التحقيق الاتهامات بسفر رضا بالحاج مع غازي الشواشي إلى باريس وعودتهما في رحلتين منفصلتين دون تقديم أي إثبات على أن السفر كان لأغراض تآمرية،  وبذلك يعتبر هذا الادعاء غير كافٍ لإثبات التهمة ضد غازي الشواشي. اختلاف مسارات العودة لا يشير بالضرورة إلى نية إجرامية. كما أن تحركات الأشخاص بين البلدان يجب أن تُفسر في سياق نشاطهم المشروع. السيد قاضي التحقيق تغاضى عن حقيقة أن رضا بالحاج و غازي الشواشي متزوجين من الأختين وسفر هما معا يعتبر نشاطا عائليا في زيارة لابنة رضا بالحاج وابن الشواشي المقيمين في مدينتين مختلفتين في باريس. 

هذا ما اعتبره السيد قاضي التحقيق الأول بالمكتب 36 في القطب القضائي لمكافحة الارهاب سمير الزوابي، يؤكد أنه في إطار الوفاق التآمري في قضية الحال، وادعى على أثره “تضافر تلك القرائن قامت الحجة الواقعية على المظنون فيه غازي الشواشي في قضية الحال”.

فيما نسب لرضا بالحاج – المتهم #7

الناشط السياسي والمحامي رضا بلحاج وقع ايقافه بعد مداهمة منزله في ساعة متأخرة من ليلة الرابع والعشرين من شهر فيفري 2023، ليقع سماعه في 25 فيفري امام قاضي التحقيق الأول بالمكتب 36 في القطب القضائي لمكافحة الارهاب السيد سمير الزوابي. الملف القضائي الموجه ضد رضا بالحاج يحتوي على عدة نقاط اتهام، منها الاجتماعات مع ممثلي السفارات، وتقديم تغطية قانونية لعمليات تآمرية، والتحركات المالية والحدودية. هذه التهم تتطلب تدقيقًا مفصلًا للتأكد من صحتها ومدى استنادها إلى أدلة قوية، وهو ما لم نجده في قرار ختم البحث بل استند القاضي في نسب الأفعال إلى الناشط السياسي رضا بالحاج لمخيلته الواسعة وتحاليله الشخصية ومخبر لم يتثبت من صحة أقواله، علاو على انها افعال لا يجرمها النص القانوني. 

يدعي السيد قاضي التحقيق ان رضا بلحاج “اعترف” بعقده اجتماعا مع رئيسة القسم السياسي السفارة الولايات المتحدة السياسي لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية المدعوة Heather Kalmbach، لصيغه وكأنه اعتراف بالجريمة دون ذكر بقية ما قيل في سماعه. الناشط السياسي رضا بالحاج صرح في محضر سماعه أن “ذلك الاجتماع غير ممنوع و باعتبار المجيب ناشط سياسي بحراك “مواطنون ضد الانقلاب” تولى الحديث مع المذكورة التي كانت تدعم مسار 25 جويلية وقد كان اللقاء في ذلك وهو يطلب التحرير عليها وسماعها كشاهدة”. الاجتماع مع ممثلي السفارات الأجنبية ليس جريمة بحد ذاته. حيث توجب على السيد سمير الزوابي التأكد من مضمون الاجتماع وأهدافه لاعتباره دليلًا على التآمر.

من محضر سماع رضا بالحاج

بعد هذا الفعل غير المجرم قانونا، السيد قاضي التحقيق عزز الاتهام ضد السيد رضا بالحاج بشهادة المخبر “ماشافش حاجة” XXX، التي أكد خلالها أن الناشط السياسي رضا بالحاج:  

  1. يقوم بالتغطية القانونية لجميع العمليات الاجرامية و التآمرية في قضية الحال 
  2. يشرف بحكم منصبه في حزب نداء تونس” بمعية نور الدين بن تيشة على شبكة من المدونين و الصحفيين
  3. استغل تلك الشبكة لاحقا لشن هجمات اعلامية على شخص رئيس الجمهورية ونشر العديد من الأخبار الزائفة لتوتير الأوضاع الاجتماعية بتنسيق مع المظنون فيه كمال اللطيف وبعض قيادات حزب حركة النهضة
  4. يلتقي بمعية المظنون فيه كمال اللطيف بعض الشخصيات السياسية و الاقتصادية و المالية بمنزل المكناة طاطا بجهة المرسى

اولا، لم يرد بأي وثيقة بملف القضية ما يثبت أن الناشط السياسي والمحامي رضا بلحاج يقوم بالتغطية القانونية لأي مخطط تآمري. كما لم يقدم السيد قاضي التحقيق أي طلب رسمي لشركة “ميتا” الحاضنة لمنصة فيسبوك ولم يرفق أي تقرير تقني يثبت وجود شبكة المدونين وهويات المنتمين إليها والتي يديرها بمعية نور الدين بن تيشة، ،انه استغلها فيما بعد “لشن هجمات اعلامية على شخص رئيس الجمهورية ونشر العديد من الأخبار الزائفة لتوتير الأوضاع الاجتماعية” على حد تعبير المخبر. بالنسبة لمنزل المدعوة “سلوى طاطا” والاجتماعات التي تعقد بها، هي وان صح ذلك، افعال غير مجرمة قانونا ما لم يثبت صلة مواضيع الاجتماع بالتهم الموجهة في قضية الحال. كما، لم يقم السيد قاضي التحقيق بالتحريات اللازمة لمعرفة هوية هذه المرأة لتوضيح هذه النقطة. فأصدر السيد قاضي التحقيق حكما بالاعتماد بشكل أساسي على شهادة مخبر قدم معلومات غير مؤكدة وغير مدعومة بأدلة مادية. هذه الشهادة مبنية على أقوال أشخاص مجهولين، ولا توجد أي سجلات أو شهود آخرون يؤكدون صحتها. علاوة على ذلك، تتعارض هذه الشهادة مع الأدلة المتاحة ومع المنطق السليم، مما يثير شكوكًا جدية حول نزاهة التحقيق.

السيد قاضي التحقيق ادعى أن الاتهامات ضد رضا بالحاج “تعززت” بتقرير اللجنة التونسية للتحاليل المالية، مشيرًا إلى أنه يملك “عدة حسابات بنكية أجريت خلالها عدة عمليات وتحويلات مالية مكثفة وغير مبررة ومشبوهة”،كان ينبغي على السيد قاضي التحقيق مراجعة تقرير اللجنة بالتفصيل قبل أن يعتمده كقرينة ادانة كما توجب عليه استجواب المتهم حول هذه التحويلات، وعدم القيام بذلك يشكل قصورًا في التحقيق وضعيفة له. التحويلات المالية وحدها، بدون تفسير مقبول من المتهم أو دليل على استخدام غير قانوني، لا تعتبر دليلاً قاطعًا على التآمر. قمنا بمراجعة التقرير الصادر عن اللجنة بخصوص الناشط السياسي والمحامي رضا بلحاج، ولم نجد فيه اي ملاحظات تؤكد الشبهات حول التحويلات المالية المضمنة به.

حيث كما توضح الصور التالية، عقود الاكتتاب التي قام بها لا علاقة لها بقضية الحال، كما أن جميعها قام بها المتهم قبل خمس سنوات على الأقل من تاريخ إعلان رئيس الجمهورية عن الإجراءات الاستثنائية.

بالنسبة للعمليات المالية العرضية، فتقرير اللجنة أوضح أن رضا بالحاج قام بثلاث عمليات شراء عملة عن طريق بنك الاسكان آخرها بتاريخ 11/04/2019، اشهر قبل انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية. كما وضح ان المتهم باصدار 11 mandats minute تراوحت المبالغ بين 81 و 561 دينار تونسي فقط خلال سنة 2022، حسب ما يبينه الجدول التالي:

بنك تونس العربي الدولي أكد أن الناشط السياسي والمحامي رضا بلحاج يمسك 10 حسابات بالدينار التونسي 6 منها تم غلقها، وحساب باسم شركة المحاماة التي يملكها، كما أن الفترة موضوع التحليل كانت بين سنتي 2013 و 2023. 

عزز السيد قاضي التحقيق الاتهامات بسفر رضا بالحاج مع غازي الشواشي إلى باريس وعودتهما في رحلتين منفصلتين دون تقديم أي إثبات على أن السفر كان لأغراض تآمرية،  وبذلك يعتبر هذا الادعاء غير كافٍ لإثبات التهمة. اختلاف مسارات العودة لا يشير بالضرورة إلى نية إجرامية. كما أن تحركات الأشخاص بين البلدان يجب أن تُفسر في سياق نشاطهم المشروع. السيد قاضي التحقيق تغاضى عن حقيقة أن رضا بالحاج و غازي الشواشي متزوجين من الأختين وسفر هما معا يعتبر نشاطا عائليا في زيارة لابنة رضا بالحاج وابن الشواشي المقيمين في مدينتين مختلفتين في باريس. 

من خلال التدقيق، يظهر أن الملف يحتوي على اتهامات تحتاج إلى أدلة أكثر قوة وتفصيلاً، الاستناد إلى اجتماعات وتحويلات مالية وتحركات حدودية بدون تفاصيل دقيقة وأدلة قاطعة لا يشكل أساسًا قويًا لإدانة المتهم. الملف الحالي يعاني من نقص في الإجراءات القانونية والتدقيق، مما قد يؤدي إلى تضليل العدالة. 

الافعال المنسوبة ل”عبد الحميد الجلاصي” – متهم #8


تحت إشراف النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، وفي إطار البحث المتعلّق بما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، تمّ إيقاف القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي يوم السبت 11 فيفري 2023، حيث تمسك بالصمت لدى سماعه من طرف باحث البداية. ليقع سماعه تحقيقا في 25 فيفري 2023. وحيث باستنطاقه أمام قاضي الأول بالمكتب 36 في القطب القضائي لمكافحة الارهاب السيد سمير الزوابي، الذي نسب إلي الجلاصي فعلا لم نجد له تفسيرا قانونيا. حيث ذكر في قرار البحث أن الجلاصي “أكد اجتماعه مع بعض الباحثين الأتراك باعتباره عضو بمركز أورسام للتفكير الاستراتيجي بتركيا و يتناول ذلك المركز بالبحث شؤون المنطقة ومن ضمنها تونس.

الافعال المنسوبة لعبد الحميد الجلاصي

الغريب أن السيد قاضي التحقيق لم يذكر الإطار الذي جاءت فيه هذه المعلومة، وهو مايعتبر تضليلا متعمدا، حيث وكما يوضح محضر سماع الجلاصي، أعلمه قاضي التحقيق  بورود “معلومات استخباراتية مفادها لقائه بوفد أجنبي تركي و مجالستهم”، هنا أجاب القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي أنه لم يجتمع بأي وفد تركي رسمي، وإنما اجتمع بمجموعة من الباحثين الأتراك الناشطين في مركز أورسام للتفكير الاستراتيجي، حيث أن المجيب عضو في مجلس إدارة مجموعة التفكير الاستراتيجي التي يعد مركز “أورسام” عضواً فيها. تم اللقاء لتبادل الرأي حول بحث يتعلق بشؤون المنطقة، بما في ذلك تونس، وإمكانية مساهمة المجيب في البحث. نُشرت دراسات للمجيب في مجلة مركز “أورسام”، وهو يشرف على لجنة المضامين التي تحرر تقريراً سنوياً حول شؤون المنطقة، وتنشر تلك الكتابات للعموم. 

ماذكر في محضر السماع

اعتبر قاضي التحقيق سمير الزوابي “اعتراف” الجلاصي “بتصريح إذاعي” بتاريخ 2022/05/29 على إذاعة ديوان اف عبر فيه عن رأيه السياسي علنا، فعلا يستوجب توجيه تهم تخص التآمر والإرهاب وبث الرعب بين السكان وغيرها.  الحوار موجود على صفحة الاذاعة بتاريخ 27/05/2022 صرّح خلاله الجلاصي أن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية التونسية بتاريخ 2021/07/25 تعتبر انقلابا على الشرعية الدستورية بالإضافة إلى ترجيحه حدوث انقلاب آخر، وأضاف أن هذا ياتي في إطار التوقع و التحذير والتنبيه من مخاطر مواصلة حالة انسداد الأفق السياسي خاصة في غياب الحوار. ياتي هذا طبعا في اطار حق الجلاصي في التعبير وابداء الراي المكفول دستوريا وبالمعاهدات الدولية  

بامكنكم مراجعة كامل الحوار على الرابط التالي:

السيد قاضي التحقيق صور معرفة الجلاصي لخيام التركي اعترافا بجرم، في حين أنه وبمراجعة محضر السماع اتضح ان عبد الحميد الجلاصي أكد أن علاقته بالتركي تعود لسنة 2012 بمناسبة التحالف الثلاثي ترويكا، ثم خلال سنة 2015 أنشأ محمد خيام التركي جمعية “جسور” وقد تواصلت لقاءاته معه واهتمامه بالعمل البحثي الذي تقوم به الجمعية. 

اعتمد القاضي هذه المرة على نتيجة الاختبار الفني المجرى على هاتف الجلاصي والذي تحصلنا على نسخة منه، حيث ادعى أنها تضمنت سعي المتهم إلى الاستعانة ببعض الدول الأجنبية و تحديدا أمريكا و بعض الدول العربية لتنفيذ ذلك المشروع التأمري. كيف ذلك؟ اعتمد القاضي على محادثات “تعزز” التهم الموجهة : 

  1. محادثة بتطبيقة تلغرام جمعته بالمدعو يوسف العجمي لإسقاط النظام القائم ذلك بالاستعانة بدول أجنبية
  2. محادثة مع عصام الشابي دعا فيها إلى الانقلاب على النظام التونسي من خلال محادثاته بتاريخ 2021/08/28

اما المحادثة الأولى، فهي من محض خيال السيد سمير الزوابي الواسع، وتحليله الشخصي. حيث ادعى أن الجلاصي دعى فيها “لإسقاط النظام القائم ذلك بالاستعانة بدول أجنبية  القائم ذلك بالاستعانة بدول أجنبية” في حين أنه وكما توضح المحادثة الوحيدة المضمنة في نتيجة الاختبار الفني ليس فيها ما يثبت ذلك أو يوحي مخطط تآمري. 

وأما المحادثة الثانية مع عصام الشابي والتي “دعا فيها إلى الانقلاب على النظام التونسي من خلال محادثاته بتاريخ 2021/08/28” حسب قرار ختم البحث، وبمراجعة المحادثة المذكورة في ذلك التاريخ، اتضح أن السيد قاضي التحقيق تعمد تقديم مغالطات، حيث لم يقع سماع المتهم حول هذه المحادثات، كما أن المحادثة نفسها لا تتضمن ما ادعاه القاضي. 

كما توضح الصورة التالية، يتضح أن ما ارسله القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي لعصام الشابي هو نص نشره على موقعي فايسبوك و يوتيوب في نسخة مصورة (رابط المنشور بنفس التاريخ)، وهو موقف علني ولا شيء في النص يوحي لدعوة للانقلاب على النظام. 

وحيث ادعى أن عبد الحميد الجلاصي تواصل مع “بعض القيادات الإخوانية بالخارج مثل القيادي الإخواني الأردني مهدي رضاونة و ذلك في إطار التآمر على الدولة التونسية وعلى النظام القائم بها و بعض أعضاء الحكومة و رئيسة الوزراء وقدم له معلومة بشأنها وأعلمه بكونها علمانية، إضافة إلى تواصله مع بعض قيادات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية و التي تعد من بين التنظيمات العنيفة و المحظورة دوليا”، على حد تعبيره. وبهذا واصل السيد قاضي التحقيق سمير الزوابي في تقديم المغالطة تلو الاخرى معتمدا على محادثات مضمونها لا فعل فيها يجرمه القانون. 

عزز السيد قاضي التحقيق الاتهامات ضد القيادي السابق بحركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، بنتيجة تحركاته الحدودية وتردده المتكرر على تركيا في 8 مناسبات حسب ما ذكر في قرار ختم البحث. ما لم يأخذه السيد قاضي التحقيق بعين الاعتبار أن ابنة المتهم مقيمة بتركيا وهو ما يفسر تردده عليا. 

كما عزز ذلك في جانب المتهم بتقرير اللجنة التونسية للتحاليل المالية، الذي ادعى قاضي التحقيق أنه تضمن امتلاك المتهم حسابا بنكيا أجرى خلاله “عدة عمليات و تحويلات مالية مكثفة وغير مبررة ومشبوهة”. كان يتوجب على السيد قاضي التحقيق أن يراجع تقرير اللجنة بشكل دقيق قبل اعتماده كدليل إدانة، وأيضاً أن يوجه السؤال للمتهم بشأن هذه التحويلات. عدم القيام بذلك يُعد قصورًا في التحقيق ويضعف موقفه. التحويلات المالية بمفردها، بدون تفسير مقبول من المتهم أو دليل على استخدامها بطرق غير قانونية، لا تُعتبر دليلاً قاطعًا على التآمر. قمنا بمراجعة التقرير الصادر عن اللجنة بشأن الجلاصي وتبين أنه يملك حسابا بالدينار التونسي قام بين سنتي 2013 و 2023 قام بالعمليات التالية: 

لجنة التحاليل المالية قدمت جدولا فصلت فيه تفاصيل تموين الحساب واتضح انها تحويلات بخصوص تدخلات اعلامية او عمله كباحث مع العديد من المؤسسات أو من عمله في حركة النهضة: 

بخصوص حطاب سلامة- متهم #9: 

حطاب سلامة، مواطن تونسي لا علاقة له بمجال السياسة والمعارضة، يملك محل بيع السيارات الجديدة والمستعملة. يتفاجأ بإيقافه في شهر ماي 2023. وجه له السيد قاضي التحقيق تهم الانضمام الى وفاق إرهابي وعدم الإشعار بجريمة والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، مستندا الى حادثة واحدة: وجود سيارته أمام منزل محمد خيام التركي مع وجود بعض السيارات التابعة لوفود أجنبية دبلوماسية! هذا بالنسبة للسيد قاضي التحقيق سمير الزوابي دليل كاف “يؤكد انخراط المظنون فيه حطاب سلامة في الوفاق التأمري الذي كونه محمد خيام التركي لقلب نظام الحكم بتونس باستعمال كل الطرق الممكنة بما فيها العنف”  و “هو ما يعزز الاتهام في جانبه و ارتكابه الأفعال المنسوبة إليه”. 

اليكم التهم الموجهة لحطاب سلامة مقابل الافعال المنسوبة اليه في قرار ختم البحث: 

كيف يمكن للقاضي أن يبني اتهامًا خطيرًا كهذا على مجرد وجود سيارة أمام منزل؟ أين الأدلة الدامغة والشهادات المؤكدة؟ هل يعقل أن يكون وجود سيارة أمام منزل دليلًا كافيًا للانضمام إلى وفاق إرهابي والتآمر على أمن الدولة؟ كيف يمكن لدائرة الاتهام أن تقبل بهذا الملف المفبرك؟ المثير للغرابة أن كل ملف القضية من سماعات متهمين، وسماعات مخبرين وشهود، ونتائج الفحوص الفنية وحتى في الندوات والاجتماعات، لم يذكر اسمه بتاتا. 

تهم تعتمد على افتراضات واهية دون تحقيق دقيق، أدت إلى سجن المواطن حطاب بن سلامة 15 شهرا ولا يزال يقبع في زنزانته.

———————————-「つづく To Be Continued يتبع

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *