الخلولي على جوهرة إف إم: تضليل الأرقام وتزييف واقع الحريات في تونس

في مداخلته على برنامج “بوليتيكا” على إذاعة جوهرة أف أم بتاريخ 3 جويلية 2025، أدلى الناشط السياسي عبد الرزاق الخلولي، بتصريحات مثيرة للجدل حول حالة الحريات في تونس. ادعى الخلولي أن “عمرنا ما عشنا مناخ حرية أكثر من فترة ما بعد 25 جويلية 2021“،مضيفًا أن “الحقيقة تقول إن هناك حرية في تونس“، واستند إلى مزاعم بأن منظمات دولية ذات مصداقية تصنف تونس في المرتبة الأولى عربيًا والثانية إفريقيًا في مؤشر الحرية والديمقراطية، وفي المرتبة 136 عالميًا في تصنيف حرية الإعلام من بين 180 دولة

عبد الرزاق الخلولي الناشط السياسي ضيف برنامج #بوليتيكا Posted by Jawhara FM on Thursday, July 3, 2025

فريق منصة فالصو قام بالتدقيق في هذه التصريحات وتبين ما يلي: 

التصريحوضع التصريحالتوضيح
“مناخ غير مسبوق من الحريات بعد 25 جويلية”❌ مضللتقارير Freedom House تُظهر تراجع تونس من “حرّة” (2020 – 71/100) إلى “حرّة جزئيًا” (2025 – 44/100)
“تونس الأولى عربيًا والثانية إفريقيًا في مؤشر الحرية والديمقراطية”❌ غير موثّقلا وجود لأي مؤشر موثوق يدعم هذا الترتيب.
تونس حلت 93 عالميًا خلف المغرب (91) وفق The Economist 2024
“ترتيب حرية الصحافة 136/180 كمؤشر إيجابي”❌ مغلوط ومضللالترتيب الحقيقي هو 129/180، والتصنيف يُفسَّر عكسيًا: كلما ارتفع الرقم، قلّت الحرية

ادّعى عبد الرزاق الخلولي أن تونس تعيش اليوم مناخاً غير مسبوق من الحرية، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع تقييمات أهم المنظمات الدولية المختصة برصد الحريات.

وفقاً لتقرير “الحرية في العالم – Freedom in the World 2025″ الصادر عن منظمة فريدم هاوس، حصلت تونس على تقييم عام بـ 44 من 100 وصُنّفت كـ”حرة جزئياً” (Partly Free). وهذا التقييم يُظهر تراجعاً واضحاً مقارنةً بما كانت عليه البلاد قبل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 جويلية 2021. 

قبل 25 جويلية 2021، وتحديداً في تقرير سنة 2020:المجموع: 71 من 100التصنيف: Free – حرة كانت تُعد الدولة العربية الوحيدة التي نالت هذا التصنيف منذ الثورة.

تفاصيل تقرير 2025:الحقوق السياسية: 11 من 40الحريات المدنية: 33 من 60المجموع: 44 من 100التصنيف: Partly Free – حرة جزئياً

مقارنةً بالسنة السابقة (2024)، كان مجموع النقاط 51 من 100، مما يُظهر تدهوراً مستمراً.

لم يذكر الخلولي اسم المنظمة التي منحَت تونس هذه الرتبة، ما يجعل التحقق من هذا التصريح أكثر صعوبة. لكن بالنظر إلى أبرز المؤشرات الدولية:

مؤشر فريدم هاوس لا يصنّف الدول حسب الترتيب العام، لكنه يمنح درجات. في نسخة 2025، تونس ليست الأعلى عربياً ولا الثانية إفريقيا.

في تقرير مؤشر الديمقراطية لسنة 2024 الصادر عن مجلّة The Economist، تراجعت تونس إلى المرتبة 93 عالميًا، ضمن فئة “الأنظمة الهجينة”، وفقدت بذلك صدارة العالم العربي التي كانت تحتلها سابقًا. فقد جاءت المغرب في المرتبة الأولى عربيًا بحصولها على المرتبة 91 عالميًا ونقطة تقييم بلغت 4.97، متقدمة على تونس التي لم تتجاوز 4.71 نقطة تقريبًا. أما على المستوى الأفريقي، فقد حافظت تونس على ترتيب متقدّم مقارنة بدول شمال إفريقيا مثل الجزائر (المرتبة 113) وموريتانيا (118) وليبيا (165)، لكنها تبقى متأخرة عن عدد من الديمقراطيات الأفريقية المستقرة مثل موريشيوس (المرتبة 21)، بوتسوانا (32)، الرأس الأخضر (35) وجنوب إفريقيا (45). هذا التراجع يعكس تأثير قرارات 25 جويلية 2021 وما تبعها من تركيز للسلطات بيد رئيس الدولة وتراجع استقلالية المؤسسات، ما أضعف تصنيف تونس كديمقراطية ناشئة كانت تُقدَّم سابقًا كنموذج استثنائي في العالم العربي.

🇲🇦 المغرب914.97
🇹🇳 تونس934.71
🇩🇿 الجزائر1133.77
تونس تفقد صدارة الديمقراطية في العالم العربي – 2024

مشروع V‑Dem صنف تونس عام 2020 كـ”ديمقراطية انتخابية”، ثم تراجعت لاحقاً إلى مرتبة “سلطوية انتخابية” (Electoral Autocracy) عام 2023، ما يعكس تراجعاً هيكلياً في مؤسسات الرقابة والتوازن.

“نحن في تصنيف الإعلام في المرتبة 136 من 180 دولة.”

ورد هذا الكلام ضمن سياق تبجيل المرحلة الحالية ما بعد 25 جويلية 2021، وتقديمها كمرحلة “ازدهار في مناخ الحريات”، وفق تعبيره.

بالعودة إلى مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود (RSF)، نجد أن الرقم المذكور مضلل :

السنةترتيب تونسمن أصلملاحظات
202072180قبل 25 جويلية – مناخ ديمقراطي نسبي
202173180بداية الانحدار
2024118180تراجع واضح في بيئة الإعلام
2025129180استمرار تدهور حرية الصحافة
🔗 المصدر الرسمي:
تقرير مؤشر حرية الصحافة 2025 – منظمة مراسلون بلا حدود (RSF)

المغالطة: تقديم الترتيب المتأخّر كمؤشر إيجابي

أبرز ما يثير الانتباه في تصريح الخلولي ليس فقط عدم دقة الرقم (136 بدلًا من 129)، بل طريقة تقديمه وكأنه يُثبت وجود حرية صحافة.وهذا خطأ جوهري في فهم المؤشر:

  • 📉 كلما كان الرقم أصغر (أقرب إلى 1)، كانت حرية الصحافة في وضع أفضل.

  • 📈 كلما ارتفع الرقم، اقترب البلد من قاع الترتيب، أي من بين الدول الأكثر قمعًا لحرية الصحافة.

  • 📌 ماذا يعني ترتيب 129/180؟
  • يعني أن تونس تقع ضمن الدول الخُمس الأسوأ عالميًا في حرية الصحافة.ويعكس تدهورًا ممنهجًا في استقلالية الإعلام، وتزايد التضييقات القانونية، وتراجع الحماية للصحفيين.مقارنةً بسنة 2020، فإن تونس تراجعت بـ57 مرتبة خلال خمس سنوات فقط.

  • الادعاء غير دقيق رقميًا : الترتيب الصحيح هو 129 وليس 136.
  • والأهم، أن تقديم الترتيب كدليل على تحسن حرية الصحافة هو تضليل للرأي العام.تونس لا تعيش “عصر حرية”، بل تشهد أسوأ ترتيب لها منذ 2011، حسب تقييم واحدة من أبرز المنظمات الدولية المتخصصة في حرية الإعلام.

رغم طابعها الواثق ونبرتها الترويجية، تكشف تصريحات عبد الرزاق الخلولي حول وضع الحريات في تونس بعد 25 جويلية عن خلل جوهري في فهم المؤشرات الدولية، وتوظيف انتقائي لها بما يخدم خطابًا سياسيا يهدف إلى تجميل واقع متأزم. إذ أن الادعاءات التي أطلقها، سواء بخصوص الريادة العربية والإفريقية في مؤشرات الديمقراطية، أو بتحسن ترتيب حرية الإعلام، لم تصمد أمام التحقق الموضوعي من الأرقام والمعايير المعتمدة عالميًا. بل على العكس، تُظهر البيانات تراجعًا ملحوظًا في أغلب المؤشرات الحقوقية، وتؤكد أن مناخ الحريات الذي يشيد به الخلولي، ليس سوى خطاب تبريري يتغاضى عن القمع، ويصادر الواقع تحت غطاء لغة “الاستثناء”. إن اعتماد الأرقام دون فهم منطقها، والامتناع عن ذكر مصادر دقيقة عند تقديم ادعاءات مصيرية، لا يعكس فقط غياب النزاهة المعرفية، بل يكرّس أيضًا نمطًا من التضليل السياسي الذي يطمس الحقائق باسم الشعب، ويقوّض أسس النقاش العام القائم على الشفافية والمساءلة.

قائمة روابط للمصادر

Freedom House – Freedom in the World 2025 (تقرير تونس)
https://freedomhouse.org/country/tunisia/freedom-world/2025

Freedom House – Freedom in the World 2024 (تقرير تونس لعام 2023)
https://freedomhouse.org/country/tunisia/freedom-world/2024

RSF – World Press Freedom Index 2025 (تقرير تونس، الترتيب 129/180)
https://rsf.org/en/rsf-world-press-freedom-index-2025-economic-fragility-leading-threat-press-freedom

The Economist Intelligence Unit – Democracy Index 2024 (تقرير الترتيب العالمي)
https://d1qqtien6gys07.cloudfront.net/wp-content/uploads/2025/03/Democracy_INDEX_2024.pdf

V‑Dem – Democracy Report 2022 (“Electoral Autocracy” لتونس عام 2021)
https://v-dem.net/media/publications/dr_2022.pdf

V‑Dem – Democracy Report 2023
https://www.v-dem.net/documents/29/V-dem_democracyreport2023_lowres.pdf

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *