منذ فجر يوم السبت 11 فيفري 2023، انطلقت في تونس حملة اعتقالات واسعة طالت رموز المعارضة والنشطاء السياسيين، متهمة إياهم بالتآمر على أمن الدولة. هذه الاعتقالات، التي أودت بعشرة شخصيات بارزة خلف القضبان، تستمر منذ ما يقارب ال22 شهرًا، دون محاكمات عادلة أو أدلة دامغة.
ترافقت هذه الحملة مع استخدام السلطة لأجهزتها في نشر بروبغندا مكثفة تهدف إلى إقناع التونسيين بجدية الاتهامات من خلال وسائل الإعلام الموالية، حيث وقع تضخيم التهم وإظهار المعتقلين كإرهابيين يسعون لزعزعة استقرار الدولة، مما خلق جوًا من الخوف والتشكيك.
منذ شهر أوت الفارط، قمنا في منصة “فالصو” بنشر سلسلة من التقارير الشاملة تفضح تجاوزات وزيرة العدل ليلى جفال والسيد سمير الزوابي (قاضي التحقيق 36 بقطب الارهاب) والتلاعبات التي صاحبت التحقيقات في القضية، على الرغم من صدور قرار قضائي يمنع التداول في تفاصيلها. يحمل التقرير عنوان “حين تتآمر أجهزة الدولة على الحقيقة”، ويكشف عن عمليات التضليل والمغالطات التي عمد إليها قاضي التحقيق. تحصلنا في منصة فالصو على كامل ملف القضية بما في ذلك قرار ختم البحث الذي خُتِم في شهر افريل 2024، والاختبارات الفنية المجراة على الأجهزة الإلكترونية للمتهمين، وتقارير لجنة التحاليل المالية وإثباتات التحركات الحدودية.
أثار انتباهنا أثناء دراسة تقرير ختم البحث وجود أسم مدير عام الأمن الوطني السابق كمال القيزاني حيث وجّهت له جميع التهم ال17 والتي تصل عقوبات بعضها حد الإعدام، بناءً على أربع اسطر فقط، مما يثير الشكوك حول نوايا السلطة. في حين تكشف تقارير المنصة عن تلاعبات قضائية واضحة في ملفات عديدة، فإن القضاء التونسي يصر على إدانة المعارضين بناءً على أدلة هشة وتهم ملفقة. ففي حالة القيزاني، نجد أن الاتهامات الموجهة إليه لا تستند إلى أي دليل مادي ملموس، بل تعتمد على تكهنات وتأويلات لقاضي التحقيق.
فمن هو كمال القيزاني، المتهم عدد 26
في الوقائع المنسوبة لكمال القيزاني:
“وحيث ثبت من الأبحاث المجراة في القضية أن المظنون فيه كمال كمال القيراني منضم للوفاق التأمري الذي يديره المظنون فيه محمد خيام التركي و قد تواصلا معا عبر تطبيقة “سينيال” في إطار توحيد الصفوف المواجهة و إسقاط نظام الحكم القائم بتونس، كما أكدت التحركات الحدودية للمظنون فيه كمال الفيزاني سافر عديد المرات إلى بعض الدول الغربية والخليجية بشكل مكثف”… هذه هي جملة الأفعال المنسوبة لسفير تونس السابق بالبحرين كمال القيزاني، التي استوجبت توجيه 17 تهمةً تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام.
حيث وجه السيد قاضي التحقيق جملة من التهم بانيا اتهاماته على فعلين تحديدا: التواصل مع خيام التركي عبر تطبيقة سينيال وتحركاته الحدودية. راجعنا المرة تلو الاخرى الاختبارات الفنية الصادرة عن مكتب الاختبارات أسامة لحمر في قضية الحال ولم نجد أثرا لأي محادثة بين “خيام التركي” و “كمال القيراني”. أي أن السيد سمير الزوابي، قاضي التحقيق الأول بالمكتب 36 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، وجه التهم بالاعتماد على دليل من محض خياله الواسع.
بالنسبة للتحركات الحدودية، أقام السيد قاضي التحقيق الحجة على المتهم بناء على سفره “عدة مرات إلى دول غربية وخليجية بشكل مكثف”، واعتبره دليلاً على تورطه في مؤامرة لإسقاط النظام. مرة اخرى، فشل خيال السيد قاضي التحقيق في إقامة الحجة على “كمال القيزاني”، حيث لا يمكن اعتبار السفر إلى دول معينة دليلاً قاطعاً على التآمر دون الخوض في تفاصيلها وتقديم أدلة ملموسة تظهر الغرض من هذه الرحلات والعلاقات التي أقامها هناك.
من المهم الاشارة ان كمال القيزاني شغل منصب المدير العام للمصالح المختصة في وزارة الداخلية ديسمبر 2016، الى حين تعيينه في ديسمبر 2019، مديرا عاماً للأمن الوطني، ليعين سفيرا لتونس بالبحرين حيث باشر مهامه في مارس 2021. أي أنه وبحكم صفاته السابق ذكرها، تنقلاته كلها كانت بشكل رسمي كممثل للدولة التونسية وبإذن مسبق من القيادة الحكومية، في إطار مهام بأذون رسمية حسب الإجراءات. وجود اسم “كمال القيزاني” في ملف التآمر أمر يثير التساؤل، حيث لم يقع ذكره لا ضمن شهادة المخبر XX أو المخبر XXX ولا في أي من سماعات المتهمين والشهود في قضية الحال، ولا في الإختبارات الفنية المجراة على الأجهزة المحجوزة لدى خيام التركي ولا في اي من الاجهزة التي وقع حجزها في القضية، ورغم ذلك بني الاتهام ووجهت إليه 17 تهمة.
عدم التناسب بين الأفعال المنسوبة إلى القيزاني والتهم الموجهة إليه:
كما هو مبين في الوقائع، فإن الأفعال المنسوبة إلى السيد القيزاني تتلخص في التواصل المفترض مع السيد خيام التركي عبر تطبيق “سينيال” والسفر إلى عدد من الدول. هذه الأفعال، حتى لو ثبتت، لا تشكل في حد ذاتها أدلة قاطعة على تورطه في جرائم خطيرة مثل الإرهاب والتآمر على أمن الدولة وتهديد الامن الغذائي وتهديد رئيس الدولة بالقتل او الاعتداء. من جهة أخرى، فإن التهم الموجهة إليه تغطي طيفاً واسعاً من الجرائم، بما في ذلك الإرهاب، والتحريض على الإرهاب، وتكوين وفاق إرهابي، والتجسس، والخيانة، وغيرها من الجرائم الخطيرة التي تستوجب عقوبات مشددة، لكن تبين في الملف وجود فجوة كبيرة بين الأفعال المنسوبة إلى السيد القيزاني والتهم الموجهة إليه. فبينما تتعلق الأفعال بأفعال فردية، مثل التواصل والسفر، فإن التهم تتحدث عن جرائم منظمة تتطلب تخطيطاً وتنسيقاً بين عدة أشخاص.
ا
لا تعليق