ما حقيقة العملية الأمنية ضد شبكات المخدرات التي وصفت بـ "ليلة الرعب"؟

ما حقيقة العملية الأمنية ضد شبكات المخدرات التي وصفت بـ “ليلة الرعب”؟

04/09/2025

في منشور على صفحته بفيسبوك بتاريخ 4 سبتمبر 2025، نشر تحالف أحرار رواية منسوبة إلى الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني، حسام الدين الجبابلي، تفيد بأن تونس شهدت “ليلة استثنائية” تم خلالها تنفيذ عملية واسعة ضد شبكات المخدرات. المنشور تحدث عن إيقاف أكثر من 100 مروّج، بمشاركة مختلف الوحدات الأمنية، وبنسبة نجاح بلغت 94%، مع التأكيد على أنّ العملية تمثل ضربة قوية لشبكات دولية تهدف إلى إغراق تونس بالمخدرات.

شهدت تونس ليلة استثنائية، عاش خلالها الأمن التونسي واحدة من أصعب وأخطر العمليات الأمنية ضد شبكات المخدرات. الناطق الرسمي…
Posted by ‎تحالف أحرار‎ on Thursday, September 4, 2025

فريق منصة فالصو قام بالتدقيق في هذا الادعاء وتبين أنه مضلل:

المرحلة الأولى: البحث عن مصدر الادعاء

قمنا في المرحلة الأولى بالبحث في الادعاء الأصلي وتحديد مصادره. تبيّن أن المنشور نُشر على صفحة تحالف أحرار، وكذلك على صفحات أخرى مثل “كلنا قيس سعيد رئيس تونس“، و ღ föùssäñã ღ NéWs فوسانة نيوز ღ، و”Moknine TV المكنين”، وصفحة “كل أخبار تونس هنا“، بالإضافة إلى صفحات أخرى. كما جرى تداوله على مجموعات فيسبوك واسعة الانتشار، من بينها مجموعة #SAYEB_ETROTTOIR سيب_التروتوار التي تضم قرابة 300 ألف شخص، ومجموعة أخرى تحمل اسم “غدًا أجمل مع قيس سعيد“ تضم حوالي 5 آلاف شخص، إضافة إلى مجموعة “بيع و اشري في القيروان vente et achat à Kairouan“ التي تضم نحو 46,900 عضو.

إلى جانب ذلك، تداولت الادعاء عشرات الحسابات الشخصية، من بينها حسابات باسم Anouar Jarray وMohammed Belhaj Hmida وMohamed Chelbi. أما زمنيًا، فقد رصدنا أول أثر لهذا الادعاء في حساب شخص يُدعى Majed Mansour، حيث نشره يوم الخميس 4 سبتمبر على الساعة 8:01 مساءً. ويُرجَّح أن يكون هذا الحساب هو مصدر التضليل الأول

المرحلة الثانية: مراجعة المصادر الرسمية

في مرحلة ثانية، قمنا بالبحث في وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة للتأكد مما إذا كان حسام الدين الجبابلي قد أدلى بأي تصريح مماثل خلال الأيام القليلة الماضية أو بتاريخ الادعاء. وبعد مراجعة واسعة لوسائل الإعلام الوطنية، بما في ذلك مواقع الإذاعات والصحف الكبرى، لم نعثر على أي أثر لتصريح جديد صادر عن الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني. هذا الغياب عزز لدينا فرضية أنّ المنشور المتداول لم يستند إلى أي مصدر حديث أو رسمي.

بموازاة ذلك، وبعد العودة إلى الخبر المؤرخ في أكتوبر 2024 والمنشور عبر راديو الحوار M.B نقلًا عن وكالة تونس إفريقيا للأنباء، تبيّن أن النص المتداول على فيسبوك مطابق تقريبًا للخبر الأصلي، مع إدخال تغييرات طفيفة فقط. فقد تم تعديل بعض الأرقام (مثل تقليص عدد الموقوفين من أكثر من 200 إلى أكثر من 100) وإعادة صياغة بعض العبارات بلغة أكثر عاطفية لإعطاء الانطباع بأن الأمر يتعلق بعملية جديدة واستثنائية. لكن جوهر النص ومضمونه الأساسي ظلّا متطابقين مع خبر نشر بتاريخ 25 أكتوبر 2024، ما يؤكد أنّ الادعاء المتداول ليس إلا إعادة تدوير لخبر قديم مع بعض التحويرات التي تغيّر سياقه الزمني وتوهم الجمهور بأنه حدث راهن

لغة التضليل: كيف يوظف الادعاء المبالغة لإثارة الخوف

الادعاء اعتمد على لغة مثيرة ومبالغ فيها لخلق إحساس بالدراما والأهمية. استخدام عبارات مثل “ليلة استثنائية”، “عشنا حالة من الرعب الكبير”، و”الحيتان الكبيرة” يهدف إلى تضخيم الحدث الأمني وجعله يبدو أكثر خطورة واستثنائية مما هو عليه فعليًا. هذه اللغة تصنع إطارًا شعوريًا محددًا: الخطر، الإثارة، والحاجة إلى تأكيد قدرة الدولة على السيطرة. من منظور علم النفس الإعلامي، هذه التقنية تُعرف باسم التضخيم العاطفي (Emotional Amplification)، حيث تعمل الكلمات المثيرة على تنشيط مراكز العاطفة في الدماغ، مثل اللوزة الدماغية (Amygdala)، ما يزيد من تأثير الرسالة على إدراك المتلقي واستجابته العاطفية. المزج بين التعبيرات التي تثير الخوف وتلك التي تبجل الأداء الأمني يخلق شعورًا بالاندماج العاطفي، ويجعل القارئ يرى الحدث على أنه حاسم ووطني، حتى لو كان محتواه قديمًا و مضلل.

الهدف من هذه الاستراتيجية اللغوية هو توجيه الانتباه والسيطرة على الانطباع العام حول العملية الأمنية، وتحويل خبر قديم إلى حدث يبدو استثنائيًا وطارئًا. هذا النوع من التضليل يعتمد على التلاعب بالإطار العاطفي للنص بدلًا من تقديم الحقائق بموضوعية، وهو ما يفسر إعادة تدوير الخبر القديم مع تعديل طفيف في الأرقام والصياغة.